عمياء خرساء بكماء
صفحة 1 من اصل 1
عمياء خرساء بكماء
يحْكَى أنَّهُ فِي القَرْنِ الهِجْرِيّ الأَوَّل كَانَ هُنَاك شَابٌّ فَقِيْرٌ يُحِبُّ العِلْمَ وفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مِنْ شِدّةِ الجُوْعِ فَانْتَهَى بِهِ الطَّرِيْقُ إلى أَحَدَ البَسَاتِيْنِ المَمْلُوءَةِ بِأشْجَارِ التُّفَاحِ وَكَانَ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ مُتَدَلِّياً فِي الطَّرِيْقِ... فَقَطَفَ تُفَّاحَةً وَاحِدَةً وَجَلَسَ يَأْكُلُهَا وَلَمَّا رَجِعَ إلى بَيْتِهِ بَدَأَتْ نَفْسُهُ تَلُوْمُهُ جَلَسَ يُفَكِّرُ وَيَقُولُ كَيْفَ أَكَلْتُ هَذِهِ التُّفَاحَةُ وَهِيَ مَالٌ لِمُسْلِمٍ وَلَمْ أسْتَأْذِنَ مِنْهُ وَلَمْ أسْتَسْمِحَهُ فَذَهَبَ يَبْحَثُ عَنْ صَاحِبِ البُسْتَانِ حتَّى وَجَدَهُ فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ: يا عمّ بِالأمْسِ بَلَغَ بِيَ الجُوْعُ مَبْلَغَاً عَظِيْمًا وَأَكَلْتُ تُفَّاحَةً مِنْ بُسْتَانِكَ مِنْ دُوْنِ عِلْمِكَ.
فَقَالَ لَهُ: واللَّهِ لا أُسَامِحُكَ بَلْ أَن َا خَصِيْمُكَ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ بَدَأَ الشَّابُّ المُؤْمِنُ يَبْكِي ويَتَوَسَّلُ إِليهِ أَنْ يُسَامِحَهُ وَقَالَ لَهُ أَنا مُسْتَعِدٌ أَنْ أعْمَلَ أيَّ شَيءٍ بِشَرْطِ أَنْ تُسَامِحَنِي وَبَدَأ يَتَوَسّلُ إلى صَاحِبِ البُسْتَانِ وصَاحِبُ البُسْتَانِ لا يَزْدَادُ إلا إصْرَاراً وَذَهَبَ وَتَرَكَهُ وَالشَّابُّ يُلاَحِقُهُ وَيَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ وَبَقِيَ الشَّابُّ عِنْدَ البَيْتِ يَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ إلى صَلاَةِ العَصْرِ... فَلَمّا خَرَجَ صَاحِبُ البُسْتَانِ وَجَدَ الشَّابَّ ما زالَ وَاقِفَاً فَقَالَ الشَّابُّ: يا عمّ إِنَّنِي مُسْتَعِدٌّ لِلْعَمَلِ فَلاّحاً في هَذَا البُسْتَانِ مِنْ دُونِ أجْرٍ باقِي عُمْرِيْ أو أيُّ أمْرٍ تُرِيْدُ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تُسَامِحَنِي عِنْدَها... قَالْ: يا بُنَيّ إِنَّنِي مُسْتَعِدٌ أَنْ أُسَامِحَكَ الآنَ لَكِنْ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ابْنَتِي.
صُدِمَ الشَّابُّ مِنْ هَذا الجَوَابِ ثُمَّ أَكْمَلَ صَاحِبُ البُسْتانِ... وَلَكِنْ يا بُنَيّ اعْلَمْ أَنّ ابْنَتِي عَمْيَاءُ وصَمَّاءُ وبَكْمَاءُ وأيْضاً مُقْعَدَةٌ لا تَمْشِي وَ مُنْذُ زَمَنٍ وأَنا أَبْحَثُ لها عَنْ زَوْجٍ أَسْتَأْمِنُهُ عَلَيْها وَيَقْبَلُ بِهَا بِجَمِيْعِ مُوَاصَفَاتِها الَّتي ذَكَرْتُها فَإِنْ وَافَقْتَ عَلَيْها سَامَحْتُكَ.
وَبَدَأَ يُفَكِّر وخُصُوصاً أنَّه لا زالُ فِي مُقْتَبَلِ العُمْرِ؟ وَكَيْفَ تَقُومُ بِشُؤُونِهِ وتَرْعَى بَيْتَهُ وَتَهْتَمّ بِهِ وهِيَ بِهَذِهِ العَاهَاتِ؟ بَدَأَ يَحْسِبُهَا وَيَقُولُ اصْبِرْ عَلَيْهَا في الدُّنْيَا وَلكِنْ إنْجُو مِنْ وَرْطَةِ التُّفَاحَةِ!! ثُمَّ تَوَجَّهَ إلى صَاحِبِ البُسْتَانِ وَقَالَ لَهُ يا عَمّ لَقَدْ قَبِلْتُ ابْنَتَكَ وأسألُ اللَّهَ أنْ يُجَازِيني على نِيّتِي وأَنْ يُعَوِّضَنِي خيراً ممّا أصَابَنِي.
فَقَالَ صَاحِبُ البُسْتَانِ:... حَسَناً مَوْعِدُكَ الخَمِيسُ القَادِمُ عِنْدِي في البَيْتِ لِوَلِيْمَةِ زَوَاجِكَ وأَنَا أَتَكَفّلُ لَكَ بِمَهْرِهَا.
فَلَمّا كَانَ يومُ الخَمِيْسِ جَاءَ هَذَا الشّابُّ مُتَثَاقِلُ الخُطَى... حَزِينُ الفُؤَادِ... مُنْكَسِرُ الخَاطِرِ... لَيْسَ كَأَيِّ زَوْجٍ ذَاهِبٍ إلى يَوْمِ عُرْسِهِ فَلَمّا طَرَقَ البَابَ فَتَحَ لَهُ أَبُوهَا وأدْخَلَهُ البَيْتَ وَب َعْدَ أَنْ تَجَاذبا أطْرَافَ الحَدِيثِ وَجَرَى زَوَاجٌ شَرْعِيُّ بِحِضُورِ شَاهِدَيْنِ، قالَ لهُ يا بُنَيّ... تَفَضّلْ وخُذْ زَوْجَتَكْ فإِذا فَتَاةٌ بَيْضَاءٌ أجْمَلُ مِنَ القَمَرِ قَدْ انْسَدَلَ شَعْرٌ كَالْحَرِيْرِ عَلَى كَتِفَيْهَا فَقَامَتْ وَمَشَتْ إِليهِ وَسَلّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا زَوْجِي...
أَمَّا هُوَ فَقَدْ وَقَفَ لا يُصَدِّقُ ما الذي حَدَثَ ولِمَاذا قَالَ أَبُوهَا ذَلِكَ الكَلاَمُ...
فَفَهِمَتْ ما يَدُورُ في بَالِهِ وقَالَتْ إنَّنِي عَمْيَاءُ مِنْ النَّظَرِ إلى الحَرَامِ وبَكْمَاءُ مِنَ النَّظَرِ إلى الحَرَامِ وصَمّاءُ مِنَ الاسْتِمَاعُ إلى الحَرَامِ ولا تَخْطُو رِجْلاَي خُطْوَةً إلى الحَرَامِ...
وإنَّنِي وَحِيدةُ أَبِي ومُنْذُ عِدَّةِ سَنَواتٍ وأبي يَبْحَثُ لِي عَنْ زَوْجٍ صَالِحٍ فَلَمَّا أَتَيْتَهُ تَسْتَأْذِنَهُ في تُفَّاحَةٍ وَتَبْكِي مِنْ أجْلِهَا قالَ أبي أَنْ مَنْ يَخَافُ مِنْ أكْلِ تُفَّاحَة لاَ تَحِلُّ لَهُ حَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَخَاف اللَّهَ في ابْنَتِي فَهَنِيئاً لي بِكَ زَوْجاً وهَنِيئاً لِأَبِي بِنَسَبِكَ.
وَبَعْد َ عَامٍ أنْجَبَتْ هَذِهِ الفَتَاةُ مِنْ هَذَا الشابُّ غُلاَماً أَصْبَحَ فِيْمَا بَعْدُ مِنْ أَعْظَمِ رِجَالِ الْمُسْلِمَيْنَ حَتَّى الْيَوْمَ.
وَهُوَ الإمَامُ الكَبِيْرُ حَنِيْفَة النُّعْمَان صَاحِبُ المَذْهَبِ الفِقْهِيّ المَشْهُورْ.
صراخ ضمير- .
-
المزاج :
عدد المساهمات : 161
تاريخ الميلاد : 02/02/1996
تاريخ التسجيل : 10/03/2011
العمر : 28
الموقع : https://aicha-oumel-mouminin.forumalgerie.net
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى