مأساة الشمس

ها هي سناء ذات الخمسة عشر ربيعا , ملاك في عمر الزّهور , أميرة بكلّ ما تحمل الكلمة من مـعاني , شقراء,طويلة القامة , ذات عيون زرقاء رقراقة كزرقة البحر الصافية مياهه , ذات وجنتين قد أخذتا من الورد حمرته ....
فتاة طيّبة القلب ذات صدر رحب , تحبّ كلّ النّاس مهما اختلفت طبائعهـــم , برعمة يتيمة الأب , تحتمي من الزّمن الغادر بجدّة عطوف حنون , وأمّ عظيمة حمّلتها نوائب الدّهر أكثر ممّا تحتمـــل
كانت سناء تلميذة نجيبة متفوقة في دراستها , نالت محبّة أساتذتها لها, وإعجاب زملائهـــا وزميلاتها بتواضعها و طيبتها ......... جمال سناء وسمعتها الطيّبة في مدرستها وبين أصحاب الحيّ الذي تقطن فيه جعلت لها شعبية كبيرة بين النّاس ممّا جعل الخاطبين يتهافتون عليها وهي في سنّ الطفولة وكـان من بين هؤلاء الخاطبين ابن خالها "الحسن" الذي كان متيّما بها وطلبها أكثر من مرّة ولكنّها كانت ترفضـه في كلّ مرّة رغم انّه كان على خلق ودين ....فسناء لا ترى في "الحسن" إلاّ صورة الأخ الذي تربّى معها فلم تتقبل فكرة الزواج منه و لكنّ "الحسن" لم يتفهّم هذا الأمر ولم يتقبّله وحبّه العميق لسناء أنسـاه أخلاقة ودينه فوقع في شباك الانحراف والخروج عن الديّن والأخلاق .......
ومرّت سنتان وسناء تحظى بنفس الشّعبية والتّفوق في الدراسة , حتّى خطبها أجد شبان المدينة فلمّا ارتضت دينه وخلقه ولمست القبول من أمّها وجدّتها وافقت على الخطبة وأجّلت الزّفاف حتى تنهــي دراستها ,فشاع خبر خطبتها وعلم بالأمر ابن خالها " الحسن" فاشتعلت في قلبه نار الغيرة والحســد فبحث عن الشّاب كي يحدّثه بالأمر عسى أن يتراجع في أمر الخطبة فلم يعثر له عن اثر فحينها قرّر أن يفسد الأمر بطريقة أخرى .
ففي ليلة من الليّالي وبعد أن أنهت سناء صلاة العشاء جلست في زاوية المنزل تناولت مصحفها و بدأت تتلو آيات الذّكر الحكيم فإذا بها تسمع طرقا خفيفا على الباب , سألت: من الطارق؟؟ , قــال أنا "الحسن" ففتحت سناء الباب وفي هذه اللّحظة الخاطفة رمى "الحسن" بمحلول مؤكسد على وجــه الحسناء سناء فشوّه خلقتها وغارت ملامح الوجه الجميل البريء وهنا سقطت سناء على الأرض و هي تصرخ وتتألّم من اثر الحروق في وجهها وعندها خرجت الجّدّة و الأمّ تجريان وهما في حيرة من أمرهما

فلمحت الجدّة حفيدها يسرع هاربا من جريمته ........
ارتفع في المنزل الصراخ و النحيب وتناولت الأم الهاتف وطلبت الإسعاف وما هيّ إلاّ دقائق معـدودة حتى توقفت سيارة الإسعاف عند باب المنزل واحتشد الناس وكلّهم يتساءل ما الذي حصّــل ؟فإذا
بسناء ذات الوجه المشرق تخرج في خلقة أخرى لم يعرفها بها احد من النّاس.
في المستشفى حضرت الشّرطة لتحقّق في الأمر فسألوا الجدة ولكنّها لم تعترف بشيء فقد كان المجـرم حفيدها , والضحيّة حفيدتها , سألوا حسناء , لكنّها قالت أنّ المجرم كان يضع قناعا فلم تتعرّف عليـه فانصرفت الشّرطة كي تجري تحقيقاتها .....
وبينما كانت الأمّ جالسة مع الجدّة في غرفة الاستقبال بالمستشفى حضر احد الأطباء ,فأبلــغ الأم أن سناء قد فقدت بصرها وغارت ملامح وجهها وهي بحاجة إلى عمليتين جراحيتين واحدة لإعادة بصرها والثانية لمعالجة التشوّهات في وجهها فوقع الخبر على المرأتين كالصاعقة ؟ من أين يأتي المال؟؟ما ذا لو لم تنجح العمليتين ؟؟.......تساؤلات كثيرة طرحتها المرأتان .
وما هيّ إلاّ لحظات حتى جاء " الحسن" وبيده مبلغ ضخم من المال وطلب من الطبيب إجراء العملية في أسرع وقت ممكن ثمّ قصد جدّته ليسلّم عليها فأدارت وجهها عنه , فلم تفهم الأمّ سبب تجاهل الجدـّة بحفيدها ,بينما استقبلت الأمّ " الحسن" وشكرته على مساعدته فقد باع سيارته من اجل سناء.
دخلت الأمّ على ابنتها فأبلغتها بصنيع ابن خالها لكنّ سناء المسكينة لم تفرح بهذا الصنيع , فقد سلبـها إشراقها ومهما كلّف نفسه من اجل إعادة ذاك الجمال فلن يعود كما كان
بعد أيام أجريت عملية العين لسناء فكانت ناجحة , لقد عاد النور لعينيها الجميلتين , أمّا وجههـا فلا تكاد ترى فيه ملامح الإنسان , لقد أصبحت كائنا آخر لا يمكن وصفه , زارها خطيبها في المستـشفى بعد أن علم بالحادث ولم يعد منذ تلك الزيارة فقد نجح "الحسن "في إفساد حياة الفتاة
بعد مرور أشهر أجريت العملية الجراحية الثانية لمعالجة التشوهات , ولكن مع ذلك لم تعد تلك الإشراقة بادية, وجه حزين عليه علامات التشوهات , فالعلاج لم يغيّر إلاّ الشيء اليسير من وجه سناء الــذي تشوّه
عادت سناء إلى المنزل بعد غياب دام أشهر وتهافت عليها الجيران و الأصحاب ولكن ليس لخطبتها بل لتعزيتها في مصابها , أمّا الحسن فقد ندم ندما شديدا على فعلته وسلم نفسه إلى الشرطة كي ينال عقابه